مقالات

قمة أسمرة : أبعاد وتحديات

 

يعد التحالف الثلاثي بين الصومال ومصر وإريتريا، تحالفاً استراتيجياً حديثاً بين ثلاث دول لها أدوار مختلفة ومهمة في منطقة القرن الأفريقي. ويأتي هذا التحالف في سياق التحولات الجيوسياسية في المنطقة، استجابة لمرحلة جديدة تتطلب من الدول الثلاث بذل مساعي حثيثة لتحقيق استقرار إقليمي في المنطقة، وزيادة التعاون في مجالات الأمن، التنمية الاقتصادية، والسياسة الخارجية. هذه المبادرة تهدف إلى بناء شراكات قوية لتعزيز المصالح المشتركة في بيئة معقدة تتداخل فيها العديد من التحديات الإقليمية والدولية.

تشترك الدول الثلاث في رغبتها في تعزيز الاستقرار في منطقة القرن الأفريقي. كل منها يواجه تحديات أمنية داخلية وإقليمية تتطلب تنسيقاً أكبر بين دول المنطقة. التحالف يعكس استعداد الصومال، مصر، وإريتريا للعمل معاً لتحقيق استقرار أكبر في المنطقة، والتصدي للتحديات التي تهدد أمنها القومي.

التعاون في مجالات التنمية الاقتصادية هو محور رئيسي في هذا التحالف. الصومال، التي تسعى لتحقيق نمو اقتصادي بعد سنوات من الاضطرابات، تجد في مصر وإريتريا شركاء مهمين لتحقيق مشاريع تنموية مشتركة. مصر تسعى لتوسيع استثماراتها في مجالات الزراعة والبنية التحتية، فيما تسعى إريتريا إلى تعزيز قدراتها الاقتصادية من خلال الاستفادة من العلاقات الاقتصادية مع الصومال ومصر.

يعكس التحالف بين هذه الدول الثلاث أهمية موقعها الجيوسياسي. فالصومال يطل على المحيط الهندي ويتحكم في ممرات بحرية حيوية، بينما إريتريا لها سواحل طويلة على البحر الأحمر، مما يجعلها لاعباً مهماً في التحكم بطرق الشحن والتجارة العالمية. مصر، كذلك بدورها، تعتمد على البحر الأحمر وقناة السويس كجزء من استراتيجيتها لحماية ممرات الشحن الدولية وتعزيز موقعها الاقتصادي.

التحالف يمكن أن يُفهم في سياق إفرازات التوازنات الإقليمية المتقلبة ففي القرن الأفريقي، حيث تتنافس قوى إقليمية ودولية على النفوذ.فالمنطقة تشهد خلال السنوات الأخيرة منافسة بين الدول الكبرى، والتحالف بين الصومال، مصر، وإريتريا يمكن أن يكون جزءاً من محاولات هذه الدول للحفاظ على توازن القوة الإقليمي. كما يعكس رغبة مصر في تعزيز نفوذها في المنطقة لمواجهة بعض التحديات التي تواجهها في شمال أفريقيا والشرق الأوسط.

التحالف الثلاثي بين الصومال، مصر، وإريتريا يبدو مدفوعاً بمصالح مشتركة، لكنه ليس بالضرورة أن يكون تحالفاً يلبي احتياجات الدول المشتركة في المصير والمسار و في الأهداف. فلكل دولة من الدول الثلاث لها أولوياتها الخاصة، مما يعني أن هناك تحديات أمام تحقيق التنسيق الكامل في هذا التحالف. ومن المحتمل أن يكون التركيز الأكبر على المصالح الأمنية والاقتصادية المشتركة، في حين أن القضايا السياسية قد تشكل عقبات أمام تحقيق تعاون كامل.

بالنسبة للصومال، يمثل التحالف فرصة لتقوية مكانتها الإقليمية والحصول على دعم من مصر وإريتريا في قضايا الأمن والتنمية. كما أن التحالف قد يساعد الحكومة الصومالية في تحقيق استقرار داخلي أكبر وزيادة التعاون الأمني مع دول إقليمية ذات وزن ثقيل.

أما مصر ترى في التحالف وسيلة لتعزيز نفوذها في القرن الأفريقي، خاصة في ما يتعلق بأمن البحر الأحمر وممرات الشحن الدولية. كما أن القاهرة تسعى للاستفادة من الفرص الاقتصادية والاستثمارية في الصومال وإريتريا، بالإضافة إلى تعزيز تعاونها في المجالات الأمنية.

إريتريا، التي كانت تعيش في عزلة دولية لفترات طويلة، تجد في هذا التحالف فرصة لتعزيز علاقاتها الإقليمية والدولية. كما أن التعاون مع مصر والصومال قد يساعد إريتريا في تلميع صورتها الخارجية التي اهتزت بفعل تعديات حقوق الانسان التي ترتكب في الداخل الإريتري ولعقود طويلة.

مستقبلياً، من المتوقع أن يستمر التركيز على التعاون الأمني بين الدول الثلاث. من خلال تعزيز تبادل المعلومات الأمنية والتنسيق بين الأجهزة الأمنية للدول الثلاث لمواجهة التحديات المشتركة.وربما، قد يؤدي هذا التحالف إلى تعزيز الاستثمارات في مجالات مثل البنية التحتية، الزراعة، والطاقة. فمصر قد تلعب دوراً رئيسياً في تمويل مشاريع تنموية في الصومال وإريتريا، مما قد يساهم في تعزيز الاستقرار الاقتصادي في هذه الدول، مع العلم أن مصر مثقلة بالديون الخارجية، وقد تواجه رغبتها في التموضع استراتيجياً في الصومال تحديات دبلوماسية من بعض القوى الإقليمية التي قد ترى أنها تمثل تهديداً لمصالحها. فمن المرجح أن تسعى الدول الثلاث إلى تعزيز علاقاتها مع القوى الإقليمية والدولية الأخرى لضمان استمرارية هذا التحالف وتحقيق أقصى استفادة منه.

ولاشك، أن الدول الثلاث ستحتاج إلى التكيف مع المتغيرات السياسية في المنطقة. والتحالف سيكون بحاجة إلى أن يكون مرناً في التعامل مع التحديات السياسية والاقتصادية الداخلية والخارجية التي قد تؤثر على استقراره وفاعليته.

يمثل التحالف الثلاثي بين الصومال، مصر، وإريتريا خطوة استراتيجية في تعزيز التعاون الإقليمي في منطقة القرن الأفريقي. وعلى الرغم من وجود تحديات قد تواجه التحالف، إلا أن المصالح المشتركة في مجالات الأمن، والاقتصاد والسياسة تجعل منه تحالفاً واعداً لكنه مرهون بمدى قدرة هذه الدول على تحقيق توازن بين مصالحها المختلفة والتغلب على التحديات الإقليمية والدولية.

محمد بن حسن

محمد حسن : كاتب وصحافي صومالي
زر الذهاب إلى الأعلى