مقالات

الصومال على مفترق طرق جديدة

لقد شهدت الأيام الماضية في مقديشو حدثاً بالغ الأهمية، ألا وهو منتدى تنمية الصومال الثاني الذي نظمه معهد هرتيج لدراسة السياسات بالتعاون مع جامعة ستي بمقديشو، في 12-13 من أغسطس 2024،  تحت عنوان بعنوان “تحديد أجندة التحول الاقتصادي والنمو في الصومال في مرحلة ما بعد مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون”. وجمع هذا المنتدى نخبة من صناع القرار والخبراء والباحثين لمناقشة سبل دفع عجلة التنمية الاقتصادية في الصومال في مرحلة ما بعد مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون.  ومثّل هذا المنتدى فرصة سانحة للوقوف على التطورات الإيجابية التي تشهدها البلاد، وكذلك التحديات الجسام التي تواجهها. في هذا المقال، سأستعرض أهم النقاط التي تناولها في المنتدى.

وأظهرت مداخلات الوزراء المشاركين في المنتدى حرص الحكومة على استغلال الفرصة الناتجة عن إعفاء البلاد من الديون لجذب الاستثمارات الأجنبية. وأنّهم انشغلوا في العامين الماضيين في وضع لوائح تنظيمية للاستثمار وإصلاح البنى التحتية، وترسيخ الأمن بعد إقبال بعض الدول العربية والصين وتركيا باستيراد الموارد المحلية خاصة في مجال الثروة السمكية. كما أكد الوزراء على أهمية تنويع الصادرات، وعدم الاكتفاء بتصدير المواد الخام، بل العمل على تطوير الصناعات التحويلية.

وتمثل معضلة البنية التحتية محور نقاش المشاركين في المنتدى، على الرغم من هذه التطورات الإيجابية، إلا أن الباحثين المشاركين في المنتدى أشاروا إلى أن ضعف البنية التحتية يمثل عائقاً كبيراً أمام التنمية الاقتصادية في الصومال. فغياب الطرق وطرق إدارة الموانئ ، وتفاوت التعريفات الجمركية بين الولايات، وعدم وجود سياسة ضرائب موحدة، كلها عوامل تساهم في ارتفاع تكاليف الإنتاج والنقل، وتقلل من جاذبية الاستثمار. بالإضافة إلى عدم دقة أرقام الدّخل القومي. يجب أن تواجه الحكومة هذه التحديات باستراتيجية شاملة تهدف إلى تحسين البنية التحتية، وتعزيز الاتصالات والطرق، وتبسيط إجراءات الجمارك، وتوحيد السياسات الضريبية، وزيادة الاستثمار في مجال النقل واللوجستيات، مما سيساهم في تقليل التكاليف وزيادة فرص الاستثمار والتنمية الاقتصادية.

أكد المشاركون على أهمية تسريع عملية انضمام الصومال إلى مجتمع شرق أفريقيا، حيث سيكون لذلك تأثير إيجابي كبير على اقتصاد البلاد وازدهارها. سيساهم الإنضمام إلى هذا المجتمع في تيسير حركة التجارة والاستثمار بين الصومال ودول الجوار، مما سيعزز التنمية الاقتصادية ويعزز العلاقات التجارية الإقليمية. بالإضافة إلى ذلك، سيحمي الانضمام إلى هذا المجتمع حقوق المستثمرين الصوماليين المقيمين في الدول الأعضاء منذ أكثر من عقدين، مما سيعزز الاستقرار والثقة في بيئة الأعمال والاستثمار في المنطقة بشكل عام.

أمنياً : لا يمكن تجاهل دور الأوضاع الأمنية في التأثير على الاستثمار والتنمية في الصومال. فالاضطرابات الأمنية تزيد من تكاليف الإنتاج، وتشجع على الهجرة، وتثني المستثمرين عن ضخ أموالهم في البلاد.  فالطرق ما بين العاصمة وحتى غالكعيو باتت سالكة بعد تحرير تلك المناطق من هيمنة حركة الشباب حسب ما ذكر أحد الوزراء.

في النهاية، ليس خافياً على أحد أن  الصومال يقف اليوم على مفترق طرق. فمن جهة،  يبدو أن هناك إرادة سياسية حقيقية لدفع عجلة التنمية الاقتصادية، ومن جهة أخرى،  من الواضح وجود تحديات كبيرة تتطلب جهوداً مضاعفة للتغلب عليها. كما إن نجاح الصومال في تحقيق التنمية المستدامة يتطلب تضافر جهود الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني، بالإضافة إلى دعم المجتمع الدولي. يجب أن تركز الحكومة على تحسين بنية التحتية وتعزيز القطاعات الاقتصادية المختلفة، وكذلك تعزيز الشفافية ومكافحة الفساد. من جانبه، يمكن للقطاع الخاص أن يسهم بشكل فعال من خلال استثماراته في الصناعات المحلية وتوفير فرص عمل للسكان المحليين. وينبغي للمجتمع المدني أن يلعب دوراً نشطاً في تعزيز الوعي والتعليم وتوجيه الحكومة نحو تلبية احتياجات المجتمع. علاوة على ذلك، يمكن للمجتمع الدولي أن يساهم بشكل حاسم عبر تقديم الدعم المالي والتقني والمشورة الاستراتيجية لمساعدة الصومال في تحقيق أهداف التنمية المستدامة والاستقرار

سمية شولي

كاتبة وباحثة صومالية، مختصة بالشأن الصومالي وتهتم بقضايا القرن الأفريقي
زر الذهاب إلى الأعلى