أين ذهبت أحلامنا ؟ المستقبل مازال مجهولاً
في ليلة هادئة تحت ضوء القمر، ومع صفاء سماء مقديشو، جلست مع صديقي القديم الذي لم أره منذ فترة طويلة. بدا وكأنه يحمل هموماً لا حصر لها. عندما بدأنا الحديث، بدأ يحكي لي قصته، ولم أدرك أن حكايته ستثير في نفسي كل هذا الجنون وتعيدني بذاكرتي إلى الوراء.
قال لي بصوت مكتوم: “تعرف، عندما تخرجنا من الثانوية، كنت أشعر أن العالم كله بين يدي. كنت نشيطاً، مستعداً لأي تحدٍ، ومؤمناً بأن المستقبل مشرق.” توقف للحظة، وأخذ نفساً عميقاً، ثم تابع: “لكن الآن، بعد سنوات الجامعة والخوض في سوق العمل، أشعر بخيبة أمل كبيرة.”
كان حديثه يعيدني إلى أيام الثانوية، حيث كنت مليئاً بالحماس والطموح، مستعداً لمواجهة أي شيء. كان لدي طاقة لا تنضب، وكنت أعتقد أن الدراسة الجامعية هي المفتاح لكل شيء. لكن بمرور الوقت، تبددت تلك الآمال تدريجياً.
صديقي، الذي كان مثلي تماماً، بدأ يسرد لي تجربته الجامعية. قال: “أمضيت سنوات في الجامعة، أدرس بجد وأحاول التفوق. لكن بعد التخرج، اكتشفت أن الأمور ليست كما توقعتها. سوق العمل يطلب مهارات لم أتعلمها في الجامعة، وتجارب لم أخضها.” كانت كلماته تعكس نفس الشعور بالخيبة الذي يملؤني الآن.
تابع قائلاً: “كنت أتمنى لو أنني استثمرت تلك السنوات في تعلم مهارات عملية، في التدريب والعمل، بدلاً من قضاء كل هذا الوقت في دراسة نظريات قد لا تفيدني في الحياة العملية.” كان حديثه يعبر عن حزن عميق، ولكنه كان أيضاً بمثابة تنبيه لي.
وجدت نفسي أتذكر تلك الأيام الجميلة. في الثانوية، كيف كنت نشيطاً ومستعداً لأي تحدٍ. كنت أشعر أن لا شيء يمكن أن يقف في طريقي. لكن الآن، بعد كل هذه السنوات، أشعر بأن ذلك الحماس قد تلاشى تدريجياً، وحلت محله خيبة أمل ثقيلة.
لكن مع ذلك، أدركت أن الشعور بالخيبة ليس النهاية. كما قال صديقي: “يمكننا دائماً أن نتعلم ونحسن من أنفسنا. الحياة ليست سهلة، لكن الإصرار والتعلم المستمر يمكن أن يقودانا إلى ما نطمح إليه.” كانت كلماته تذكيراً بأنه لا يزال هناك أمل، وأن علينا الاستمرار في المحاولة، مهما كانت التحديات.
بعد أن أنهى صديقي حكايته، شعرت بأنني أغوص في بحر من الذكريات. تلك الأيام التي قضيتها في الثانوية عادت لتطفو على السطح، حاملةً معها كل مشاعر الحماس والتحدي التي كانت تملؤني آنذاك.
بدأت أسترجع تلك اللحظات التي كنت فيها نشيطاً، مليئاً بالطاقة، ومستعداً لأي شيء. كنا نضحك، ندرس، نحلم بمستقبل مشرق، ونعتقد أن العالم بأسره ينتظرنا. كنت أشعر بالقوة والقدرة على تحقيق أي شيء أرغب فيه، ولا شيء كان يبدو مستحيلاً.
لكن الآن، بعد سنوات من التخرج، بدأت أتساءل كيف أصبحت الآن. أين ذهبت كل تلك الأحلام؟ لماذا تبددت تلك الطاقة والحيوية؟ أصبحت أرى الحياة بمنظور مختلف، مملوء بالتحديات والعقبات التي لم أكن أتوقعها.
أتذكر كيف كنت أستيقظ كل صباح مفعماً بالنشاط، متحمساً لبداية يوم جديد. كنت أتحدى الصعاب بكل ثقة، وأعتقد أنني سأحقق كل أهدافي بسهولة. لكن مع مرور الوقت، بدأت أرى أن الحياة ليست بتلك السهولة التي تخيلتها. بدأت أواجه صعوبات لم أكن مستعداً لها، ووجدت نفسي أتعلم دروساً قاسية.
لكن، رغم كل تلك التحديات، أدركت أنني لم أفقد كل شيء. نعم، تغيرت وأصبحت أكثر واقعية، لكنني أيضاً أصبحت أكثر قوة وإصراراً. تعلمت أن النجاح لا يأتي بسهولة، وأنه يتطلب العمل الجاد والصبر.
ذكريات الثانوية كانت تذكرني بالشخص الذي كنت عليه، وبأنني ما زلت أملك تلك الروح في داخلي. ربما تغيرت الظروف، وربما واجهت خيبات أمل، لكن الإصرار والطموح لم يتبددا تماماً.
حديث صديقي كان بمثابة نقطة تحول. أعاد لي الأمل وأشعل في داخلي شعلة جديدة. أدركت أن التغيير ليس بالضرورة سيئاً، وأن كل تجربة مررت بها كانت جزءاً من رحلتي الشخصية. ربما لم أحقق كل ما حلمت به، لكنني أصبحت أكثر حكمة وأقوى مما كنت عليه.
أعدت ترتيب أفكاري وقررت أن أبدأ من جديد. سأستفيد من دروس الماضي وأستخدمها لدفع نفسي نحو مستقبل أفضل. الحياة مليئة بالتحديات، لكنني مستعد لمواجهتها بكل قوة وإصرار.
بعد أن انتهى صديقي من حكايته وأبحرت في ذكرياتي، بدأت أتخيل كيف سيكون حالي بعد أربع أو خمس سنوات أخرى. تلك الأفكار أخذتني في رحلة طويلة إلى المستقبل، حيث حاولت رؤية نفسي وتحديد مساري بناءً على ما تعلمته من تجربتي السابقة.
أتخيل نفسي بعد أربع أو خمس سنوات، وقد تغيرت بشكل كبير. أصبح لدي فهم أعمق للحياة، واكتسبت مهارات جديدة، وتعلمت كيفية التعامل مع التحديات بطريقة أكثر نضجاً وحكمة. بدلاً من الشعور بالخيبة والإحباط، أصبحت قادراً على رؤية الفرص في كل تحدٍ يواجهني.
أدرك أن عملية التعلم لا تنتهي عند الحصول على الشهادة الجامعية. سأواصل تطوير مهاراتي من خلال الدورات التدريبية، وورش العمل، والتعلم الذاتي. سأحرص على البقاء على اطلاع دائم بأحدث التطورات في مجالي، وأعمل على تحسين مهاراتي العملية والشخصية بشكل مستمر.