مصر والصومال : هل من توافق إلى سبيل ؟
تعد العلاقات بين مصر والصومال تاريخية بالدرجة الأولى، حيث كان لمصر دور محوري في دعم استقرار الصومال على الصعيد السياسي والثقافي. ومع التغيرات الراهنة في القرن الإفريقي، وخاصة في ظل انخراط أرض الصومال بتوقيع مذكرات تفاهم واتفاقيات مباشرة مع الإمارات وإثيوبيا وتايوان، إلى جانب التحولات المتعلقة بالممرات البحرية، بات من الضروري النظر بعين نقدية إلى سياسات مصر تجاه الصومال. فالسؤال المطروح هنا هو: هل سياسات مصر الحالية تواكب التحولات الكبرى في المنطقة وتستجيب لتحدياتها؟ وما الذي يمكن أن تقدمه مصر للصومال في ظل هذه التطورات؟
من أبرز الجوانب التي يمكن لمصر أن تقدم فيها دعمًا حقيقيًا للصومال هو الجانب العسكري والأمني بالإضافة إلى مواصلة دورها الثقافي والتعليمي. فمصر تمتلك مؤسسات تعليمية عريقة ذات تأثير إقليمي، مثل جامعة الأزهر التي استقبلت عبر عقود طويلة طلابًا صوماليين للدراسة في مجالات متعددة. إن استمرار مصر في دعم الصومال عسكرياً يمكن أن يكون أحد أهم ركائز استعادة الصومال استقراره الأمني، والتركيز أيضاً على الدور التعليمي، لأن التعليم هو مفتاح التنمية في أي مجتمع. لكن، السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل يقتصر الدعم المصري على البعد الديني والتعليم التقليدي فقط؟ أم أن مصر يمكن أن توسع آفاق هذا التعاون ليشمل مجالات حديثة كالعلوم التقنية والهندسة والابتكار، وهي المجالات التي يحتاجها الصومال بشدة للنهوض بمؤسساته الوطنية؟
إن التركيز المصري على أمنها المائي في منطقة البحر الأحمر، قد يكون موجهًا بشكل أكبر نحو مصالحها الإقليمية، خاصة في ما يتعلق بحماية مصالحها في البحر الأحمر والمحيط الهندي، وفي هذا الإطار قد يكون التعاون مع الصومال مدفوعًا بهذه المصالح أكثر من كونه دعمًا مباشرًا للاقتصاد أو الأمن الصومالي.
في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجهها مصر، من المنطقي أن تكون الفرص الاقتصادية التي يمكن أن تقدمها للصومال محدودة. ومع ذلك، يمكن لمصر أن تلعب دورًا هامًا في تحفيز القطاع الخاص على الاستثمار في الصومال، خاصة في مجالات الزراعة والبنية التحتية. السؤال الذي يجب طرحه هنا هو: هل مصر مستعدة حقًا لتعزيز هذه الشراكات الاقتصادية؟ أم أن التعاون في هذا المجال سيظل محصورًا في إطار الدعم الحكومي فقط؟ الصومال بحاجة إلى مشاريع استثمارية تعزز من استقراره الاقتصادي وتعالج مشكلاته الهيكلية، وتلك هي المنطقة التي يمكن لمصر أن تساهم فيها إذا ما توفرت الإرادة.
تحتفظ مصر بعلاقات تاريخية قوية مع الصومال منذ عقود، لكنها الآن تواجه تحديات كبيرة في التأثير المباشر على سياسات المنطقة. تطورت السياسات الجيوسياسية في القرن الإفريقي بشكل كبير مع دخول قوى دولية وإقليمية أخرى كتركيا والإمارات والسعودية. هذا التحول يفرض على مصر إعادة التفكير في استراتيجياتها تجاه الصومال. السؤال النقدي هنا: هل مصر قادرة على إعادة بناء هذه العلاقات بطريقة تتماشى مع التحولات الجديدة؟ وهل يمكنها أن تقدم للصومال دعمًا يتجاوز المنافسات الإقليمية ويعزز من استقراره الداخلي؟
اللافت أن التحولات الجيوسياسية التي تشهدها منطقة القرن الأفريقي، والتكتلات الجديدة، سواء مذكرة التفاهم الموقعة بين هرجيسا وأديس أبابا والتعاون التركي الصومالي في المجالات الاقتصادية والعسكرية، تفرض على مصر أن تتبنى استراتيجيات أكثر ديناميكية وابتكارًا. تاريخيًا تمتعت القاهرة بنفوذ واسع في الصومال ومنطقة القرن الإفريقي، لكن هذا النفوذ قد يتضاءل في ظل التدخلات المتزايدة من قوى إقليمية ودولية لها تأثير مباشرة في مجريات المنطقة أمنياً واقتصادياً.
على سبيل المثال، تركيا أصبحت لاعبًا نشطًا في الصومال، حيث دعمت البنية التحتية والتعليم ووفرت مساعدات كبيرة، ما جعلها شريكًا مفضلًا لدى العديد من النخب الصومالية، السؤال الجوهري الذي يفرض نفسه: هل يمكن لمصر أن تكتفي بالاعتماد على روابطها التاريخية والدينية مع الصومال؟ أم أنها بحاجة إلى سياسات أكثر جرأة للتكيف مع هذه المنافسة الجديدة؟
التطورات البحرية تمثل جانبًا آخر من الفرص التي يمكن لمصر استغلالها. مع مرور التجارة العالمية عبر مضيق باب المندب وقناة السويس، يمتلك الصومال موقعًا استراتيجيًا لا يمكن تجاهله. لكن هذه الفرصة يمكن أن تتحول إلى تهديد حقيقي لمصالح مصر، إذا استمرت في التراجع عن تقديم سياسات بحرية متكاملة تشمل التعاون مع الدول المحيطة بالبحر الأحمر وخليج عدن. مصر تحتاج إلى النظر إلى الصومال ليس فقط كدولة بحاجة إلى دعم، بل كحليف استراتيجي في تأمين هذه الممرات البحرية الحيوية. لتطوير الموانئ الصومالية، يمكن أن تكون هذه الرؤية جزءًا من أهداف مشتركة لتعزيز الأمن البحري وتحسين تدفق سلاسل التجارة.
ومع ذلك، لا يمكن إغفال أن العلاقة بين مصر والصومال تظل محفوفة بالتعقيدات السياسية. فقضية أرض الصومال تضع مصر في موقف حساس بين التمسك بالموقف التقليدي الداعم لوحدة الصومال والاعتراف بالحقائق الجديدة على الأرض. بحكم دورها كقوة إقليمية مطالبة بتحديد موقف واضح، ليس فقط للحفاظ على مصالحها، بل أيضًا لضمان استقرار المنطقة.
في النهاية، تمتلك مصر إمكانات كبيرة يمكن أن تسخرها لتعزيز دورها في الصومال، ولكن هذا يتطلب إعادة صياغة سياساتها البرغماتية لتكون أكثر توافقًا مع الواقع المتغير. العلاقة بين البلدين لا ينبغي أن تظل عالقة في سجن الماضي، بل يجب أن تتطور لتشمل آفاقًا جديدة من التعاون الاقتصادي والأمني والسياسي. فقط من خلال رؤية استراتيجية متكاملة يمكن لمصر أن تقدم للصومال دعمًا حقيقيًا ومستدامًا يتجاوز الخطابات الرنانة غير المجدية إلى تأثير ملموس يعزز استقرار المنطقة ويحمي المصالح المشتركة للبلدين.