الرئيسية

محللون : زيارة حمزة بري إلى “لاسعانود” تبعثر أوراق صوماليلاند الانفصالية

 

مقديشو-الصومال

أجرى رئيس الحكومة الصومالية حمزة عبدي بري زيارة وصفت بـ”التاريخية” إلى مدينة لاسعانود عاصمة إقليم “خاتمو” وذلك ضمن وفد حكومي مكون من وزراء من بينهم وزير الخارجية أحمد معلم فقي،ووزير التربية والتعليم فارح شيخ عبدالقادر، إلى جانب رئيس الشرطة الصومالية وأعضاء في البرلمان الفيدرالي. وكان في استقبال الوفد الحكومي مسؤولي إقليم خاتمو ومن ضمنهم رئيس الإقليم الجديد عبدالقار أوعلي، وقال حمزة بري في حشد جماهيري في مدينة لاسعانود “إن زيارته تهدف إلى توحيد أطراف البلاد وتعزيز السلام والأمن في المنطقة”.

ودشن رئيس الحكومة حمزة عبدي عدداً من المشاريع التنموية في مدينة لاسعانود في إقليم سول الذي يعد ضمن ثلاثة أقاليم تتكون منها ولاية خاتمو، ومن بين تلك المشاريع، وضع حجر الأساس لمطار لاسعانود، وإطلاق مشروع كهرباء يغطي 44 محطة ومنشأة خدمية، إلى جانب التزام الحكومة بتنفيذ مشاريع لتحسين الخدمات الاجتماعية (الصحة والتعليم).

وحظيت زيارة رئيس الحكومة الفيدرالية إلى إقليم خاتمو والتي تعد أول زيارة لمسؤول حكومي رفيع منذ التسعينيات من القرن الماضي، باهتمام واسع، وأحدثت انقساماً عريضاً في الرأي العام المحلي، بين من يرى أنها خطوة لبسط نفوذ الدولة الفيدرالية، ومواجهة الأطماع الانفصالية، وتحقيق حلم إجراء انتخابات مباشرة في عموم البلاد عام 2026، و يرى آخرون أنها جاءت لتكريس حالة الانقسام في البلاد وشق وحدة الصف بين المكونات الفيدرالية.

زيارة تاريخية

وفي هذا السياق، يقول محمد حسين ساسي، الباحث في العلاقات الدولية في حديث للجزيرة.نت، إن هذه الزيارة تمثل مرحلة سياسية فارقة جديدة، حيث كسرت الحصار السياسي والإعلامي المفروض على المنطقة منذ سنوات، وأكدت على وحدة أراضي جمهورية الصومال وعدم الاعتراف بأي كيان انفصالي.

ويضيف قائلاً : أن مشروع إقليم صوماليلاند يواجه ولأول مرة انتكاسة سياسية كبيرة بعد هذه الزيارة التاريخية. فعلى الرغم من سعي الإدارة في هرجيسا للظهور بمظهر الدولة المستقلة، جاءت تصريحات رئيس الوزراء الصومالي أمام حشد من السكان في مدينة لاسعانود للتأكيد على أن صوماليلاند جزء لايتجزأ من جمهوية الصومال.

ويعتقد محمد حسين، أن هذه الزيارة مفادها إعادة ترسيخ وحدة الصومال وتقطع الطريق أمام الأقاليم التي تحاول تبني نهج أو خطاب الانفصال من البلا، كما أن إدعاء صوماليلاند بأحقيتها في ملكية أراضي عشيرة طولبهنتي في إقليم سول لم يعد له وجود، وأحدثت الزيارة ضغطًا سياسيًا كبيرًا على إدارة “أرض الصومال”، داخليًا وخارجيًا.

غضب صوماليلاند

وفي السياق، رفض برلمان أرض الصومال في جلسة له الجمعة الماضي زيارة رئيس الحكومة الفيدرالية إلى إقليم خاتمو، واعتبرها تقويضاً للأمن والاستقرار في المنطقة، ودعا الحكومة المحلية إلى الانسحاب من المحاثات مع الحكومة الصومالية .

وعلق رئيس صوماليلاند عبدالرحمن عرو في حديث لوسائل الإعلام المحلية الأحد الماضي، أن الحكومة الصومالية الفيدرالية هي التي ستتحمل العواقب التي ستنتج عن زيارة حمزة عبدي بري إلى لاسعانود، وأن إدارة هرجيسا تمضي قدماً لبناء جيشها، داعياً المجتمع الدولي إلى أن صوماليلاند تعمل على تعزيز السلام.

وفي هذا الصدد يقول الباحث الصومالي محمود حسن عبدي مدير مركز هرجيسا للبحوث والدراسات، أن زيارة حمزة بري تعتبر دافعة حقيقية لكيان صوماليلاند من أجل الاستيعات لهذه الصدمة السياسية، من خلال أن تتجنب “هرجيسا” للانجرار لأي تصعيد إعلامي أو عسكري تجاه “لاسعانود” أو التوتر مع “مقديشو” خاصة بعد زيارة رئيس الحكومة الفيدرالية ، في ظل التوجهات الدولية الساعية لجعل ساحل خليج عدن الصومالي جزءا من ديناميكيات التنافس والصراع الدولي في منطقة الشرق الأوسط، لتستفيد صوماليلاند  من ذلك  بالخروج من منطقة الظل التي تشملها مع “مقديشو”، مع ما يحمله ذلك من مفارقات تجمع المخاطر الجمة والمكاسب غير المسبوقة.

ويشير محمود حسن إلى أن زيارة حمزة بري إلى مدينة لاسعانود صبت مزيداً من الملح على الجرح السياسي المفتوح لـ”صوماليلاند”، ولهذا من الضروري أن تبدأ صوماليلاند عملية جراحية قاسية لترتيب بيتها من الداخل، من مبادرة فتح تحقيقات حول ملف الفشل الأمني الذي أدى لانتفاض  السكان على الاغتيالات التي كانت تستهدف نخب مدينة لاسعانود عام 2023، وكذلك ملف نجاح القيادات العشائرية في لاسعانود في نقل الخلاف إلى الساحة القبلية لا السياسية بما ضرب مصداقية حكومة صوماليلاند، وعدم وجود أية تحقيقات حول أسباب الهزيمة العسكرية في معركة “غوجاعدي” ومحاسبة المتسببين بها، كما أن ملف مئات الأسرى من ضباط وجنود صوماليلاند الموجودين في قبضة “خاتمو”، يبقى ورقة ضاغطة على الحكومة الحالية وملفا شائكا سيكون ذا تبعات استراتيجية خطيرة مهما كانت خيارات الحكومة في هرجيسا لدى التعامل معه.

 

 

رسائل داخلية

وشهدت مدينة لاسعانود والتي تقطنها عشيرة طولبهنتي عام 2023 حرباً ضروسة بين قوات أرض الصومال ومسلحي العشيرة، مما أدى إلى انسحاب قوات صوماليلاند، وسيطرة العشيرة على سيادة إقليم سول، وهي الهزيمة التي أدت إلى إعلان العشيرة تأسيس كيان منفصل عن صوماليلاند في أغسطس/آب عام 2023، وأبدى استعداده للانضمام إلى النظام الفيدرالي في الصومال الذي ولد من رحم المحاصصة العشائرية عام 2014.

ويقول فرحان اسحاق يوسف أستاذ العلوم السياسية والباحث في المركز الصومالي للأجندة للجزيرةنت، فإن زيارة رئيس الحكومة الفيدرالية إلى لاسعانود خلطت حسابات المنطقة، وتأتي بعد صعود خطاب إدارة هرجيسا بمقايضة الميناء الاستراتيجي في مدينة بربرة مقابل الإعتراف، ولهذا فإن جولة حمزة بري إلى إقليم خاتمو ربما قد تضرب هذه الآمال عرض الحائض.

وبحسب فرحان، فإن الزيارة ترسل أيضاً رسالة مفادها مدى الحظوة التي يتمتع بها رئيس الحكومة داخل عشيرته التي ينتمي إليها (دارود) والتي تنحذر منها عشيرة طولبهنتي، برغم الخلافات السياسية بين حكومته وولايتي بونتلاند وجوبالاند المنحذرتان أيضاً من عشيرة دارود، وأعلنت الولايتين (بونتلاند وجوبالاند) رفضهما التعاون مع الحكومة الفيدرالية، خاصة في تنظيم الانتخابات المباشرة.

إقليم خاتمو (بروفايل)

وولدت إدارة خاتمو من رحم توترات سياسية بين عشيرة طلبهنتي التي تسكن في إقليم سول  وإدارة صوماليلاند، بعد سنوات من التهميش والإقصاء السياسي من قبل حكومة صوماليلاند ، وقد تطورت تلك التوترات إلى احتاجات ومواجهات مسلحة استمرت لأسابيع انتهت بانسحاب قوات صوماليلاند من الإقليم.

وبعد توقف القتال بوساطة من المجتمع الدولي منتصف عام 2023، أعلن سكان إقليم سول إنشاء إدارة مؤقتة تتبع اداريا الحكومة الصومالية الفيدرالية، مما شكل تحديا كبيرا لإدارة صوماليلاند في الحفاظ على وحدة اراضيها. هذا وأعلنت إدارة صوماليلاند انفصالها عن باقي الصومال في عام 1991، إلا أنها لم تحظ أي اعتراف دولي حتى الآن.

وصنفت وزارة الداخلية والمصالحة في الحكومة الفيدرالية عام 2024 إقليم خاتمو بأنه كيان يتمتع بحكم شبه ذاتي ولا علاقة له بإقليم صوماليلاند، وبدأت الحكومة الفيدرالية حيثيات وترتيبات ضمه إلى النظام الفيدرالية، وتعتبر ـ وفق متابعين ـ زيارة رئيس الحكومة إلى عاصمة خاتمو أنها تعطي تشرعية للإقليم، باعتباره كياناً فيدرالياً قائماً بذاته، ومن المتوقع أن يشارك رئيس الإقليم عبدالقادر أوعلي منتدى الشركاء السياسيين المزمع إجراؤه في 30 من أبريل/نيسان المقبل.

زر الذهاب إلى الأعلى