الرئيسيةمقالات

قادة الرأي في المجتمع الصومالي

في قديم الزمان كان لكل مجتمع قادة رأي بمواصفات وخصائص معينة يتولون توجيهه وقيادته، وكانت العملية سهلة كلما اتسم الجمهور المستهدف بالتجانس، لكن الثورة الرقمية غيرت ملامح الخريطة الاتصالية فتغير معها نوع قادة الرأي ومواصفاتهم.

إن قيادة الرأي عملية قديمة وتعني وجود نخبة معينة تضطلع بدور مؤثر في تشكيل الرأي العام  وتوجيه الجماهير، وقد كان الفلاسفة والعلماء والسياسيون يتولون ذلك في مجتمعاتهم منذ زمن بعيد. وأما مصطلح قيادة الرأي فقد انتشر علمياً في أربعينات القرن العشرين مع انتشار نظريات الاتصال والإعلام، وتحديداً “نظرية انتقال المعلومات على مرحلتين” التي ارتبطت بالإعلام التقليدي وخلصت إلى أن المعلومات تنتقل من وسائل الإعلام إلى الجمهور عبر وسيط يسمى قادة الرأي، يتولى إيصالها وتفسيرها وتوجيه الرأي العام وفق المعطيات المتاحة، مفترضة أن قائد الرأي يتميز بخصائص منها المكانة الاجتماعية المرموقة والمعرفة والتعرض لوسائل الإعلام أكثر من غيره، وكذلك المصداقية. ولكن هذه الأمور باتت من الماضي في ظل الثورة الرقمية المتسارعة وانتشار الإعلام الجديد الذي أتاح لكل ذي رغبة في الاتصال بالجماهير أن يصبح هو القائم بالاتصال وحارس بوابته وقائد الرأي في آن واحد دون التقيد بحدود جغرافية.

وبالعودة إلى تجانس المجتمع وسهولة قيادته، فإن المجتمع الصومالي في القرن الإفريقي أو شبه الجزيرة الصومالية حسب تسمية بعض الباحثين لهو من أشد المجتمعات تجانساً  بدليل وحدة اللغة والدين والعادات والتقاليد وربما امتدت الروابط إلى النسب أيضاً، ولكن السؤال هنا: من قادة الرأي في المجتمع الصومالي؟

قديماً كان شيوخ القبائل والشعراء والعلماء يضطلعون بمهام قادة الرأي ثم تصدّر القائمة في عصر الدولة الحديثة السياسيون والإعلاميون والأكاديميون وغيرهم، ولكن مع تغير البيئة الاتصالية والانتشار السريع للثورة الرقمية انتقلت الأضواء نحو مشاهير وسائل التواصل الاجتماعي دون نقد وتمحيص ودراسة للظاهرة علمياً.

المؤسف أن معظم مشاهير وسائل التواصل الاجتماعي في منطقتنا غير مؤهلين لقيادة الرأي، ومع ذلك يحظون بمتابعات افتراضية عالية، وربما بتأييد واسع في الحياة الواقعية، مقارنة بقادة الرأي التقليديين من سياسيين وأدباء وتربويين وعلماء شريعة وغيرهم، وتلك دلالة على اختلال واضح في الموازين.  وعلى سبيل المثال، أُديرت الحروب الأهلية التي شهدتها المنطقة في العامين المنصرمين من خلال وسائل التواصل الاجتماعي وعبر قادة رأي افتراضيين استغلوا الإمكانيات التقنية الحديثة لإشعال الفتن بين الأشقاء، كما تميز دورهم في حسم نتائج بعض الانتخابات المحلية.

وبناء على متابعاتي الشخصية، لاحظت في مشاهير التواصل الاجتماعي في المنطقة، مواهب اتصالية متميزة من حيث الفصاحة والإقناع ومواجهة الكاميرا، ولكنها تفتقر إلى التهذيب والمعرفة والتوجيه قبل أن تتولى توجيه الجماهير، وأظن أن كثيرا منهم لم يتمكنوا من استكمال التعليم العام فضلا عن التخصصات والجامعات، وهذا أقل ما يمكن جزمه حين نصادف بعضهم يوزع الشتائم على الهواء مباشرة ويتعرى من أي أخلاق في خطابه، فالعلم نور والجهل ظلام.

البيئة الاتصالية الرقمية فضاء ديمقراطي لعرض أي بضاعة فكرية، ولا أحد يقدر  على حجب من حقق  فيه الشهرة سواء كانت إيجابية أم سلبية، ولكن هذه دعوة موجهة إلى قادة الرأي التقليديين ليواكبوا التقنية ويستثمروا سماتها وخصائصها التي لا تتوافر في أي منبر آخر، حتى لا يتحولوا إلى مشاهدين سلبيين وربما مؤيدين لمتصدري المشهد الحالي وهم لا يشعرون.

زكريا حسين

كاتب وباحث وشاعر من جيبوتي، رأس تحرير شبكة الشاهد الإخبارية المهتمة بشؤون القرن الإفريقي ، كما عمل محرر صياغة في القسم السياسي بصحيفة الوطن السعودية قبل أن يلتحق بالدبلوماسية. مؤلف كتاب Wariye في التحرير الإعلامي باللغة الصومالية.
زر الذهاب إلى الأعلى