جولاني والجهاديون في الصومال
أحمد حسين الشرع، المعروف باسم أبو محمد الجولاني، أصبح حديث الساعة هذه الأيام، وهو زعيم التنظيم الأكثر تأثيرًا في الثورة السورية الذي نجح في إزاحة النظام الدموي لعائلة الأسد.
الجولاني شخصية متعددة التحولات، مرّ بتجارب عديدة مع تنظيمات مختلفة. وُلد لعائلة ثرية تنتمي فكريًا إلى التيار اليساري، وبدأ دراسته الجامعية في كلية الطب بدمشق، لكنه تركها لينضم إلى القتال ضد القوات الأمريكية بعد غزوها للعراق عام 2003. هناك، عمل تحت قيادة أبو مصعب الزرقاوي، ثم وقع في قبضة القوات الأمريكية. وبعد إطلاق سراحه، استأنف نشاطه وانضم لاحقًا إلى أبو بكر البغدادي، قبل أن ينشق عنه ليعود إلى العمل مع تنظيم القاعدة تحت قيادة أيمن الظواهري.
في نهاية المطاف، أسس الجولاني تنظيمًا جديدًا حمل اسم “جبهة النصرة”، الذي تطور فيما بعد إلى “حركة تحرير الشام” ومن ثم “هيئة تحرير الشام”. اليوم، يُعد الجولاني، البالغ من العمر 42 عامًا، الشخصية الأكثر نفوذًا في الثورة السورية، حيث يحمل معه خبرات وتحولات كبيرة.
هل يمكن أن يظهر “جولاني” آخر بين الجهاديين في الصومال؟
هناك أسباب عديدة تجعل هذا الاحتمال بعيد المنال:
- افتقار الجهاديين في الصومال لرؤية سياسية مستقلة عن القاعدة:
لم يتمكن الجهاديون في الصومال من تطوير أفكار سياسية محلية تعكس احتياجات المجتمع، واكتفوا بتبني سياسات وأيديولوجيات القاعدة. وهذا ما جعلهم غير قادرين على تقديم نموذج حكم يتسم بالتوافق والمشاركة، سواء مع تنظيمات أخرى أو مع شخصيات ذات توجهات مختلفة.
- التركيز على العمليات الميدانية بدلاً من الأيديولوجيا:
كان معظم تركيزهم منصبًا على الجانب العملي والتكتيكي بدلاً من تطوير رؤى سياسية شاملة. حتى عندما حاول أحمد عبدي جوداني الاستفادة من إرث حركة الدراويش بقيادة السيد محمد عبد الله حسن، باءت محاولاته بالفشل ولم تلقَ قبولاً واسعًا.
- الصراعات الداخلية والتصفية الفكرية:
شهدت الحركة انقسامًا حادًا بين القيادات الميدانية والعقول المفكرة. أدى هذا إلى تهميش وتصفية شخصيات بارزة مثل إبراهيم الأفغاني، ما ترك الساحة خالية من أصحاب الفكر لصالح قيادات شابة ذات توجهات أحادية.
- انشقاقات غير مؤثرة فكريًا:
الشخصيات البارزة التي انشقت عن الحركة، مثل مختار روبو وزير الأوقاف الحالي وأحمد مدوبي رئيس ولاية جوبالاند، لم تكن تمتلك رؤى سياسية متماسكة، بل ركزت على استغلال الفرص الجغرافية والسياسية لتحقيق مكاسب محدودة.
هذه العوامل الأربعة جعلت الجهاديين في الصومال غير قادرين على إحداث تغييرات جوهرية، سواء على مستوى الفكر أو العمل. يضاف إلى ذلك أن الساحة السياسية في الصومال تفتقر إلى ديناميكية تدفع للتفكير والإبداع، إذ تعتمد بشكل كبير على استغلال الانقسامات القبلية والتنافس الخارجي لتحقيق مصالح آنية.