مقالات

الصراع بين الصومال وإثيوبيا في ضوء حقوق الدول الحبيسة في القانون الدولي

 

ينظم قانون البحار الدولي، ولا سيما اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982، الحقوق والواجبات للدول الساحلية وغير الساحلية في استخدام المحيطات والبحار. وعلى الرغم من أن الاتفاقية تمنح للدول الساحلية حقوقاً سيادية واسعة على مناطقها البحرية، إلا أنها تنص أيضاً على بعض الحقوق للدول غير الساحلية، مثل حق الوصول إلى البحر وحرية الملاحة.

وتعتبر مسألة حق الدول غير الساحلية في الوصول إلى البحر قضية حساسة في القانون الدولي، خاصة في المناطق الجغرافية التي تشهد توترات حدودية أو نزاعات تاريخية. وتبرز أهمية هذه القضية في سياق التنافس على الموارد البحرية المتزايد، وتأثيرها على الأمن والاستقرار الإقليميين. وفي هذا الإطار، تثير محاولة إثيوبيا الحصول على منفذ بحري عبر إقليم صوماليلاند الخاضع للسيادة الصومالية تساؤلات حول مدى قانونية هذا الإجراء، وتأثيراته على الديناميكيات السياسية في القرن الإفريقي.

القانون الدولي وقضية المنافذ البحرية

  • عدم وجود حق مطلق: القانون الدولي لا يمنح الدول غير الساحلية حقًا مطلقًا في الحصول على منفذ بحري. هذا الحق ليس من حقوق الإنسان الأساسية، ولا يوجد نص صريح في أي اتفاقية دولية يضمن هذا الحق بشكل عام.
  • الحقوق المتعلقة بالعبور: ما يمنحه القانون الدولي للدول غير الساحلية هو حق العبور عبر أراضي الدول الساحلية للوصول إلى البحر، وذلك وفقًا لمبدأ حرية الملاحة. هذا الحق ينطبق بشكل أساسي على التجارة والاتصالات، وليس على إقامة قواعد عسكرية.
  • الاتفاقيات الثنائية والمتعددة الأطراف: غالبًا ما يتم تنظيم حق العبور والوصول إلى البحر من خلال اتفاقيات ثنائية أو متعددة الأطراف بين الدول المعنية. هذه الاتفاقيات تحدد الشروط والضوابط التي تحكم هذا الحق، وقد تختلف من اتفاقية إلى أخرى.

أما إقامة قاعدة بحرية فقد تخلق  تحديات إضافية منها:

  • السيادة الوطنية: إقامة قاعدة بحرية في دولة أخرى يمس من سيادة هذه الدولة. لذلك، تتطلب هذه المسألة اتفاقات خاصة جداً وتنظيمات دقيقة تحافظ على مصالح جميع الأطراف.
  • القانون الدولي البحري: قانون البحار الدولي ينظم استخدام البحار والمحيطات، ويحدد حقوق وواجبات الدول الساحلية والدول غير الساحلية. أي اتفاق لإقامة قاعدة بحرية يجب أن يتوافق مع هذا القانون.
  • الأبعاد الأمنية والسياسية: إقامة قاعدة بحرية لها أبعاد أمنية وسياسية واسعة. قد تؤثر على التوازنات الإقليمية وتثير مخاوف أمنية لدى دول أخرى.

تعتبر إثيوبيا من أكبر الدول غير الساحلية في إفريقيا، وهي تسعى منذ فترة طويلة للحصول على منفذ بحري يضمن لها الأمن الاقتصادي والتجار، وكذلك إقامة قاعة بحرية. وقد وجدت في إقليم صوماليلاند، الذي يطمح إلى الانفصال عن الصومال، شريكاً محتملاً لتحقيق هذا الهدف.

وقد وقعت إثيوبيا وصومالي لاند مطلع عام 2024 مذكرة تفاهم تهدف إلى تعزيز التعاون الاقتصادي والعسكري، وتضمنت بنوداً تتعلق بإنشاء قاعدة بحرية إثيوبية على ساحل صوماليلاند. إلا أن هذه المذكرة قوبلت برفض قاطع من الحكومة الصومالية التي تعتبر صوماليلاند جزءاً لا يتجزأ من أراضيها، وأعلنت إلغاء المذكرة.

ويمكن أن تترك هذه المذكرة المثير للجدل تداعيات في استقرار دول المنطقة، ويمكن إجمالها في البعدين التاليين :

  • الأمن الإقليمي:  ثارت هذه القضية مخاوف بشأن الأمن والاستقرار ليس فقط في القرن الإفريقي، بل الدول المطلة على البحر الأحمر، حيث يمكن أن تؤدي إلى تصعيد التوترات بين إثيوبيا والصومال، وربما إلى صراع مسلح.
  • التدخل الخارجي:  قد تستغل دول أخرى هذا الصراع لتعزيز نفوذها في المنطقة، مما يزيد من تعقيد المشهد الأمني.

خاتمة

إن مسألة حق الدول غير الساحلية في الوصول إلى البحر هي قضية معقدة تتطلب حلولاً دبلوماسية طويلة الأمد. وعلى الرغم من أن قانون البحار الدولي يوفر إطاراً قانونياً لهذه المسألة، إلا أن تطبيقه في حالات النزاع يظل تحدياً كبيراً. وفي حالة إثيوبيا والصومال، يجب على الأطراف المعنية التحلي بالحكمة والواقعية للوصول إلى حل سلمي يحفظ مصالح الجميع ويضمن الأمن والاستقرار في المنطقة.

سمية شولي

كاتبة وباحثة صومالية، مختصة بالشأن الصومالي وتهتم بقضايا القرن الأفريقي
Back to top button