مقالات

حملة حذف “صوماليلاند” ردّة فعل عابرة أم استراتيجية لحماية السيادة؟

 

يشيع بين الهيئات المحلية والدّولية اعتماد صوماليلاند باعتبارها دولة مستقلة والفصل بينها وبين الصومال وعلى رأسها هيئات الأمم المتحدة، التي تشير إلى مكاتبها بأنها تعمل في الصومال وصوماليلاند، دون اعتراض الجهات الرسمية الصومالية، حتى فوجئ الشعب في 21 أغسطس 2024 بصدور إنذار من هيئة الطيران المدني  إلى  فلاي دبي والطيران الإثيوبي  بإزالة كود الوجهات التي تشير  إلى إقليم صوماليلاند في موقعيهما واستبدالها بالصومال، إلا ستعّلق رحلات الشركتين من وإلى الصومال وسيحظر عليهما استخدام المجال الجوي الصومالي، مع إعطائهما مهلة حتى 23 أغسطس 2024.

امتثلت شركة فلاي دبي للإنذار  وازالت اسم الإقليم، بينما أرسلت شركة الطيران الإثيوبي طلبا لهيئة الطيران المدني  للتمديد، فتلقت الرفض، وبالتالي أزالت اسم صوماليلاند دون الإشارة للصومال، وقبل انتهاء المهلة إضافت اسم الصومال.

ولم تنقض 24 ساعة حتى فاجئتنا وزارة التجارة والصناعة برسالة إلى شركات الحوالة والبنوك المحلية التي تذكر ضمن مكاتبها الدّولية صوماليلاند، لتصحيح ذلك، ومنحت الشركات مهلة حتى الأول من سبتمبر 2024.

لماذا هذه القرارات؟

يُرجح أن هذه القرارات الحازمة من الحكومة الصومالية تأتي في سياق ترسيخ الوحدة الوطنية والحفاظ على سيادة الدولة خصوصا بعد عقد إدارة صوماليلاند مذكرة تفاهم بينها وبين إثيوبيا وفيها ستمنح الإدارة إطلالة على منافذ البحر الأحمر،  وقاعدة بحرية تقدر  بعشرين كيلو متراً، في بداية هذا العام، مقابل أن تعترف إثيوبيا بدولتهم، وتمنحهم أسهماّ في الطيران الإثيوبي. وذلك عقب انعقاد جولة محادثة تمهيدية بين الصومال وصوماليلاند برعاية جيبوتي.

فقد أوضح الرئيس الصومالي أنّه لا يمانع منح إثيوبيا منفذا بحريا مطلا على البحر الأحمر لكن لجوئها إلى عقد اتفاقية مع إقليم تحت السيادة الصومالية خطوة غير سليمة. وطالبت إثيوبيا بالتراجع عن الاتفاقية، فكان ردّ إثيوبيا بأنها تريد عقد محادثات مع الصومال. فقادت الحكومة معركة دبلوماسيا لحشد دعم المنظمات الإقليمية كالجامعة العربية والإيغاد والاتحاد الإفريقي،  كما أنّها عقدت اتفاقية مع تركيا لحماية المياه الإقليمية و”التنقيب عن النفط” وجدير بالذكر أن البرلمان الفيدرالي صادق على تلك الاتفاقية دون السماح لهم بالاطلاع على تفاصيله.

كما أن الحكومة ذكرت أنها ستستبعد القوات الإثيوبية من البعثة الإفريقية المقبلة، وتستبدلها بمصر  التي يفترض أنها ليست على وفاق مع إثيوبيا، بينما تدير تركيا من طرف آخر محادثات غير مباشرة بين الصومال وإثيوبيا باعتبارهما حليفتين لها.

ويبدو أن هذه الضغوط على الشركات ما هي إلى رسالة إلى إثيوبيا، لا طريق لتحقيق أهدافها إلّا الحكومة الصومالية، وإلا فالحرب الدبلوماسية والتجارية، وربما الاحتكام للقانون الدّولي، كما حصل مع كينيا التي حاولت الاستيلاء على جزء من الساحل الصومالي القريب من أراضيها فصدر حكم من محكمة العدل الّدولية في أكتوبر 2021 لصالح الصومال.

هل هي ردّة فعل أم استراتيجية؟

في الواقع لا يمكن البتّ في المسألة، ولكن بالنظر إلى نمط السياسة  الدّاخلية والخارجية الصومالية، فيمكن القول أن الحكومة الصومالية لم تكن مهتمة بمسألة الانفصال أحادي الجانب ولم تكن جديّة في وضع حدّ للجهات الأجنبية ولا للإطراف المحليّة، لأن الإقليم كان يبدو هادئا مستقراً، بل وحتى المعارك التي تشنها إدارة الإقليم ضد عشائر الشمال الهامشية كما كانت توصف لم تكن مثار اهتمامها، ولهذا  لم تبد الحكومة أي ردة فعل تجاه قصف الإدارة لسكان محافظة سول، بل صدمت في 25 أغسطس 2023 بأسر قادة الأولوية والجنود، والاستيلاء على الأسلحة ورفع العلم الصومالي المحظور في لاسعانود، ولم تكن متحمسة في الترحيب بعودة محافظة فرض عليها الانفصال إلى جغرافية الوطن.

وهذا يدعونا إلى اعتبار الحملة ردة فعل تجاه  الموقف الإثيوبي المستفز أكثر من كونها تجاه السعي لتعزيز الوحدة الوطنية، وبالتالي فهذه لا تبدو استراتيجية جادة تجاه فرض احترام سيادة الصومال على أراضيه على الجميع.  ومن المتوقع أن يتمد الأمر إلى صدور رسائل أخرى من الهيئات الحكومية إلى المنظمات الأممية.

وختاماً سواء كانت هذه الحملة ردّة فعل أم استراتيجية، فإنها أثارت حماسة شعبية تجاه وضع نهاية لمشروع الانفصال الذي يواجه معارضة من محافظة أودل ما يعني أنّه مشروع قبليّ أكثر منه فكرة تكاد تكون عقدية عند سكّان المحافظات الشمالية.

 

سمية شولي

كاتبة وباحثة صومالية، مختصة بالشأن الصومالي وتهتم بقضايا القرن الأفريقي
زر الذهاب إلى الأعلى